رحلة الشتاء والصيف
إعداد : ناصر إبراهيم
أن تعيش وقومك وسط صحراء قاحلة لا ضرع فيها ولا زرع ،ولا ماء ولا فرع إلا ما ندر وقل هنا أو هناك ثم تبدأ بامتهان التجارة ،وتصبح صلة الوصل بين الشمال والجنوب والشرق والغرب ؛فاعلم أن الكلام عن قريش تلك القبيلة التي كان لها نفوذ ومكانة عند القبائل وعند الفرس وعند الرومان .
اختار الله مكة لبيته واختار نبيه من قريش فالله ألهمكم سبيل التجارة وأحاطكم بالحماية والأمان من الجوع فالتجارة ،تدر عليكم يا أهل مكة الذهب والفضة وتجارتكم رابحة فأنتم الوسيط بين مناطق وشعوب مختلفة وتجارتكم مؤمنة فلكم مكانة عند القبائل والدول في ذلك الزمان فلا أخطار ولا خسارة فهذه العناية الإلهية أشار إليها القرآن الكريم : ﴿لِإِیلَـٰفِ قُرَیۡشٍ ١ إِۦلَـٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَاۤءِ وَٱلصَّیۡفِ ٢ فَلۡیَعۡبُدُوا۟ رَبَّ هَـٰذَا ٱلۡبَیۡتِ ٣ ٱلَّذِیۤ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعࣲ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ ٤﴾ (قريش ١-٤ )
ولم يكن هذا الاحتراف للتجارة من باب الصدفة بل كان بسبب الموقع الاسترتيجي لمكة ،ووجود الكعبة كمركز ديني وسياسي وابتكار اتفاقيات الإيلاف التي نظمت لهم رحلتي الشتاء والصيف الآمنة للتجارة مع الشام واليمن.
ساهم هذا النظام التجاري في جعل قريش قوة اقتصادية وسياسية مهيمنة في المنطقة مستفيدة من موقعها المتوسط بين الشمال والجنوب ،والذكاء والحنكة التي تمتع بها تجار قريش في اختيار البضائع وضمان الربح, ونسج علاقات مع القبائل والدول المحيطة لضمان الأمن للقوافل التجارية التي لا تتوقف على مدار العام .
فالعلاقات الجيدة مع الآخرين والجيران تضمن لك مستقبلاً آمناً وهذا ما طبقته قبيلة تعيش وسط صحراء قاحلة.
وجعلت من نفسها وسيطاً بين شعوب متناحرة الفرس والرومان وجسراً بين بلاد كل منها له بضائعه الشام واليمن ، الهند والحبشة .
فمكانتك كفرد في المجتمع وموقعك الجغرافي على الكرة الأرضية هما ميزة لك أو عليك ،فاختر ماهو مفيد لك ولغيرك ولاتكن صخرة تتوسط الطرقات ،وترى من نفسك شرطي مرور لتنظيم السير.