آل البيت والفرزدق
الكاتب : ناصر إبراهيم
كان لآل البيت أتباع
وأحباب على مرّ العصور ومنهم الفرزدق فقد كان موالياً لأهل البيت عليهم السّلام،
مناصراً لعلي وأبنائه عليهم السّلام، مجاهراً بحبّه لهم، وإذا مدحهم تدفق شعره
عاطفة وحماسة وصدقاً، فلا نرى فيه أثر التكلّف المادح المتكسّب، وخير دليل على
موالاته آل البيت عليهم السّلام، قصيدته في زين العابدين علي بن الحسين عليهم
السّلام، وهي من أبلغ الشعر وأخلصه عاطفة.
يقول
ابن خَلِّكان في أعيانه: « وتُنسَب إلى الفرزدق مكرمة يرجى له بها الجنّة ». وهي
أنه لما حج هشام بن عبدالملك، فطاف وجَهِد أن يصل إلى الحجر ليستلمه، فلم يقدر
عليه من كثرة الزحام، فنُصِب له منبر وجلس عليه، ينظر إلى الناس ومعه جماعة من
أعيان أهل الشام، وفيما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب عليهم السّلام، وكان من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرجاً، فطاف بالبيت، فلما
انتهى إلى الحجر، تنحّى له الناس، وانشقت له الصفوف، ومكّنته من استلام الحجر،
فقال رجل من أهل الشام: منْ هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة ؟! فقال هشام: لا
أعرفه مخافة أن يرغب فيه أهل الشام.
وكان الفرزدق الشاعر حاضراً، فقال: أنا
أعرفُه! فقال الشاميّ: مَن هذا يا أبا فراس ؟ فقال الفرزدق وأطلق قصيدته الشهيرة العصماء
وهذه الأبيات بعض منها :
هـذا الـذي تـعرف البطحاءُ وطأتَه والـبيتُ يَـعرِفه والـحلُّ
والـحرمُ
هـذا ابـنُ خـيرِ عـبادِ الله
كـلِّهمُ هـذا
الـتقيُّ الـنقيُّ الـطاهرُ العَلَمُ
هـذا آبـنُ فـاطمةٍ إن كنتَ
جاهِلَهُ بـجَـدِّه
أنـبـياءُ الله قـد خُـتِموا
هــذا عـلـيٌّ رسـول الله والـدُه أمـسَتْ بـنور هـداه تـهتدي الأممُ
مـا قـال لا قـطُّ إلاّ فـي
تـشهده لـولا الـتشهد كـانت لاؤُه نَعمُ
ولـيس قـولُك مَـنْ هذا ؟ بضائره الـعُرْبُ تـعرف مَنْ
أنكرتَ والعجمُ
فغضب هشام ومنع جائزته وقال : ألا قلت فينا مثلها ؟ قال : هات جداً
كجده وأباً كأبيه وأماً كأمه حتى أقول فيكم مثلها ، فحبسوه بعسفان بين مكة
والمدينة فبلغ ذلك علي بن الحسين ،فأرسل إلى الفرزدق الكثير من المال فرفضه ولكن
إصرار الإمام جعله يقبل الهدية من المال فالمال
الذي ينفقه آل البيت لا يرد إليهم وهذه
عادتهم لا يقبلون رجوع أو استرجاع ما بذلوه .
وبسبب خوف الخليفة من لسان الفرزدق أطلقه، فآل
البيت لهم في كل زمان أتباع وأحباب.